قال الأصمعي: حدثني رجل من الأعراب قال: خرجت من الحي أطلب أعق الناس وأبر الناس، فكنت أطوف بالأحياء حتى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبل يستقي بدلو لا تطيقه الإبل، في الهاجرة والحر الشديد، وخلفه شاب في يده رشاء في قد – أي حبل على شكل سواط – ملوي يضربه به، قد شق ظهره بذلك الحبل.
فقلت: أما تتقي الله في هذا الشيخ الضعيف؟ أما يكفيه ما هو فيه من حد هذا الحبل حتى تضربه؟!
قال: إنه مع هذا أبي!!
قلت: فلا جزاك الله خيرا.
قال: اسكت، فهكذا كان يصنع بأبيه، وكذا كان يصنع أبوه بجده.
فقلت: هذا أعق الناس.
أي عقوق وصل بهذا الولد الشرير حتى وصل به الأمر أن يربط أباه بالحبل ويضربه بالسوط في عز الظهر، فهو لا شك خاسر في الدنيا والآخرة، وهذا جزاء الأب كما فعل بأبيه وسيفعل بالابن كما فعل بأبيه أيضا، وكما تدين تدان فلا مفر من العقوبة.
قال الأصمعي: حدثني رجل من الأعراب قال: خرجت من الحي أطلب أبر الناس؛ فانتهيت إلى شاب في عنقه زبيل(1) فيه شيخ كأنه فرخ، فكان يضعه بين يديه في كل ساعة فيزقه كما يزق الفرخ.
فقلت: ما هذا؟!
قال: أبي وقد خرف وأنا أكفله.
قلت: هذا أبر العرب.
لقد بلغ هذا الشاب في البر مدا بعيدا فقد كفل أباه وقام على خدمته وتعهد بطعامه، وهو في هذه السن، فهذا مثال للخير وللبر وسيلقى جزاء عمله في الدنيا والآخرة والله لا يضيع أجر المحسنين، فما بالك بمن أحسن إلى أبيه!!
(1)-الزبيل: القفة ج زبل، زبلان.
(
من كتاب "كما تدين تدان"